الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا فعلوا فاحشة} قال: فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون حول البيت عراة.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وإذا فعلوا فاحشة...} الآية. قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا وأمرنا الله بها.وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان المشركون الرجال يطوفون بالبيت بالنهار عراة والنساء بالليل عراة، ويقولون: إنا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، فلما جاء الإِسلام وأخلاقه الكريمة نهوا عن ذلك.وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: والله ما أكرم الله عبدًا قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها، ولكن رضي لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا}هذه الجملة الشَّرْطيَّة لا محلَّ لها من الإعراب؛ لأنَّها استئنافيَّة وهو الظَّاهِرُ وجوَّزَ ابْنُ عَطِيَّة أن تكون داخِلَةً في حيِّز الصِّلَةِ لعطفها عليها.قال ابْنُ عطيَّة ليقع التوبيخ بصفة قَوْمٍ قد فعلوا أمثالًا للمؤمنين إذا شبه فعلهم فعل الممثل بهم.قوله: {وَجَدْنَا} يحتمل أنْ يكون العلمية أي علمنا طريقهم أنها هذه، ويحتمل أن يكون بمعنى: لَقِينَا، فيكون مفعولًا ثانيًا على الأول وحالًا على الثاني.وقوله: {إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء}حذف المفعول الأوَّل للعلم به أي لا يأمر أحدًا أو لا يأمركم يا مُدَّعين ذلك.قوله: {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} مفعول به، وهذا مفرد في قوة الجملة؛ لأنَّ ما لا يعلمون ممَّا يتقولونه على الله تعالى كلام كَثِيرٌ من قولهم: {والله أَمَرَنَا بِهَا} كتبحير البحائر وتسبيب السَّوائب، وطوافهم بالبيت عُراةً إلى غير ذلك حذف المفعول من قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط} [الأعراف: 29]. اهـ. باختصار..من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}استروحوا في التعلل إلى سلوكهم نهجَ أسلافِهِم، فاستمسكوا بحبلٍ واهٍ فزلَّت بهم أقدامُ الغرور، وقعوا في وهدة المحنة. اهـ..قال الشنقيطي: قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} هذه الآية الكريمة يتوهم خلاف ما دلت عليه من ظاهر آية أخرى وهي قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} الآية، الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:الوجه الأول: وهو أظهرها أن معنى قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي بطاعة الله وتصديق الرسل ففسقوا أي بتكذيب الرسل ومعصية الله تعالى فلا إشكال في الآية أصلا.الوجه الثاني: أن الأمر في قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمر كوني قدري لا أمر شرعي، أي قدرنا عليهم الفسق بمشيئتنا، والأمر الكوني القدري كقوله: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، والأمر في قوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أمر شرعي ديني فظهر أن الأمر المنفي غير الأمر المثبت.الوجه الثالث: أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}: أي كثرناهم حتى بطروا النعمة ففسقوا، ويدل لهذا المعنى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد مرفوعا من حديث سويد بن هبيرة رضي الله عنه: «خير مال امرئ مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» فقوله مأمورة أي كثيرة النسل وهي محل الشاهد. اهـ..تفسير الآية رقم (29): قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:لما كان تعليلهم بأمر الله مقتضيًا لأنه إذا أمر بشيء أتبع، أمره أن يبلغهم أمره الذي جاء به دليل العقل مؤيدًا بجازم النقل فقال: {قل} أي لهؤلاء الذين نابذوا الشرع والعرف {أمر ربي} المحسن إليّ بالتكليف بمحاسن الأعمال، التي تدعو إليها الهمم العوال {بالقسط} وهو الأمر الوسط بين ما فحش في الإفراط صاعدًا عن الحد، وفي التفريط هابطًا منه؛ ولما كان التقدير: فأقسطوا اتباعًا لما أمر به، أو كان القسط مصدرًا ينحل إلى: أن أقسطوا، عطف عليه {وأقيموا وجوهكم} مخلصين غير مرتكبين لشيء من الجور {عند كل مسجد} أي مكان ووقت وحال يصلح السجود فيه، ولا يتقيدن أحد بمكان ولا زمان بأن يقول وقد أدركته الصلاة: أذهب فأصلي في مسجدي {وادعوه} عند ذلك كله دعاء عبادة {مخلصين له الدين} أي لا تشركوا به شيئًا.ولما كان المعنى: فإن من لم يفعل ذلك عذبه بعد إعادته له بعد الموت، ترجمه مستدلًا عليه بقوله معللًا: {كما بدأكم} أي في النشأة الأولى فأنتم تبتدئون نعيدكم بعد الموت فأنتم {تعودون} حال كونكم فريقين: {فريقًا هدى} أي خلق الهداية في قلوبهم فحق لهم ثواب الهداية {وفريقًا} أضل. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: قوله: {أَمَرَ رَبّي بالقسط} يدل على أن الشيء يكون في نفسه قسطًا لوجوه عائدة إليه في ذاته، ثم إنه تعالى يأمر به لكونه كذلك في نفسه، وذلك يدل أيضًا على أن الحسن إنما يحسن لوجوه عائدة إليه، وجوابه ما سبق ذكره. اهـ..قال السمرقندي: {قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} أي بالعدل والصواب.وكلمة التوحيد وهي شهادة ألاّ إله إلاّ الله: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أي: {قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} وقل: أقيموا وجوهكم {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} أي حوّلوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلاة.وقال الكلبي: يعني إذا حضرت الصلاة وأنتم في مسجد فصلوا فيه، فلا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي.وإذا لم يكن في مسجد فليأت أي مسجد شاء.قال مقاتل: يعني: حوّلوا وجوهكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم {وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} يقول: وحدوه واعبْدُوه بالإخلاص.ويقال: إنّ أهل الجاهلية كانوا يشركون في تلبيتهم، ويقولون: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، فأمرهم الله أن يوحّدوه في التلبية مخلصين له الدين.ثم قال: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} أي ليس كما تشركون.فاحتج عليهم بالبعث متصلًا بقوله: {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} أي ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم.وقال الحسن: كما خلقكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.ويقال: {كَمَا بَدَأَكُمْ} يوم الميثاق من التصديق والتكذيب {تَعُودُونَ} إلى ذلك.حيث قال: «هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي».ويقال: {كَمَا بَدَأَكُمْ} فخلقكم من التراب {تَعُودُونَ} ترابًا بعد الموت.وقال ابن عباس: {كَمَا بَدَأَكُمْ} مؤمنًا وكافرًا وشقيًا وسعيدًا كذلك تموتون عليه وتبعثون عليه. اهـ..قال الثعلبي: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط}قال ابن عباس: بلا إله إلاّ الله، وقال الضحاك: التوحيد، وقال مجاهد والسدي: بالعدل {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال مجاهد والسدي وابن زيد: يعني وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة.وقال الضحاك: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلّوا فيه ولا تقولن: أحب أن أُصلي في مسجدي، وإذا لم يكن عند مسجد [فليأت] أيّ مسجد فليصلِّ فيه.وقال الربيع: معناه واجعلوا سجودكم لله سبحانه وتعالى خالصًا دون ما سواه من الآلهة والأنداد {وادعوه} واعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} الطاعة والعبادة {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تبعث كل نفس على ما كانت عليه».قال ابن عباس: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا كما قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] ثمّ يعيده يوم القيامة كما بدأ خلقهم كافرًا ومؤمنًا، فيبعث المؤمن مؤمنًا والكافر كافرًا.وقال جابر: يبعثون على ما ماتوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. وقال أبو العالية: عادوا إلى علمه فيهم.قال محمد بن كعب: من ابتدأ خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل بإعمال أهل السعادة، كما أنّ إبليس عمل أعمال أهل السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدأ عليه خلقه وإن عمل أهل الشقاوة، كما أنّ السحرة عملت أعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدأ عليه خلقهم.وقال سعيد بن جبير: معناه كما كتب عليكم يكونون نضير قوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104].قال قتادة: خلقكم من التراب وإلى التراب تعودون نضير قوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} [طه: 55].وقال الربيع ابن أنس: كما بدأكم عريانًا تعودون لهم عريانًا. نضيره قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94].وقال السدي: كما خلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال، كذلك تعودون تخرجون من بطون أُمهاتكم، قال الحسن ومجاهد: كما بدأكم فخلقكم فريق مهتدون وفريق ضلال. كذلك تعودون يوم القيامة، نضيره قوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104].روي سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُحشر الناس حُفاة عُراة وأوّل من يُكسى إبراهيم عليه السلام» ثمّ قرأ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [ألأنبياء: 104]. اهـ.
|