الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقرأ الحسن: {أعجمي} بهمزة واحدة على الخبر، وكذلك رواه هشام عن أهل الشام.ووجهه ما روى جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير، قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميًّا وعربيًّا حتّى تكون بعض آياته أعجميًّا وبعضها عربيًّا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأنزل في القرآن بكلّ لسان، فمنه السجيل، وهي فارسية عربت سنك وكل، والقراءة الصحيحة قراءة العامة بالإستفهام على التأويل الأول.{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَاءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أخبرنا محمد بن نعيم، أخبرنا الحسين بن الحسين بن أيوب، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا القاسم بن سلام، حدثنا حجاج بن أيوب، عن شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قتيبة، عن ابن عباس ومعاوية وعمرو ابن العاص، إنّهم كانوا يقرأون هذه الحروف بكسر الميم {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}، وقرأه الباقين بفتح الميم على المصدر، وإختاره أبو عبيد، قال: لقوله: {هُدًى وَشِفَاءٌ} فكذلك {عَمًى} مصدر مثلها، ولو إنّها هاد وشاف لكان الكسر في عمىً أجود ليكون نعتًا مثلهما.{أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} قال بعض أهل المعاني: قوله: {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} خبر لقوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَاءَهُمْ}، وحديث عن محمد بن جرير، قال: حدثني شيخ من أهل العلم، قال: سمعت عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَاءَهُمْ}، أين خبره؟ فقال عمرو: معناه في التفسير {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} فقال عيسى بن عمر: أجدت ياأبا عثمان.وقوله تعالى: {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} مثل لقلت إستماعهم وإنتفاعهم بما يوعظون به، كأنهم ينادون إلى الإيمان وبالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة.{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب فاختلف فِيهِ} فمؤمن به وكافر، ومصدّق ومكذّب. كما أختلف قومك في كتابك.{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} في تأخير العذاب.{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} من عذابهم وعجل إهلاكهم.{وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} فإنّه لا يعلمه غيره، وذلك إنّ المشركين، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لئن كنت نبيًا، فأخبرنا عن الساعة متى قيامها؟، ولئن كنت لا تعلم ذلك فإنّك لست بنبيّ. فانزل الله تعالى هذه الآية.{وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ} من صلة ثمرات، بالجمع أهل المدينة والشام، غيرهم ثمرة على واحدة.{مِّنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها، واحدتها كمة، وهي كلّ ظرف لمال أو وغيره، وكذلك سمّي قشرة الكفري، أي الذي ينشق عن الثمرة كمه. قال ابن عباس: يعني الكفري قبل أن ينشق، فإذا أنشقت فليست بأكمام.{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} يقول إليه يردّ علم السّاعة كما يردّ إليه علم الثمار والنتاج.{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} يعني ينادي الله تعالى المشركين.{أَيْنَ شُرَكَآئِي} الّذين تزعمون في الدّنيا إنّها آلهة.{قالوا} يعني المشركين، وقيل: الأصنام، يحتمل أن يكون القول راجعًا إلى العابدين وإلى المعبودين أيضًا {آذَنَّاكَ} أعلمناك وقيل: أسمعناك.{مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} شاهد إنّ لك شريك لما عاينوا القيامة تبرؤا من الأصنام، وتبرأ الأصنام منهم {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} في الدنيا.{وَظَنُّواْ} أيقنوا.{مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} مهرب، و{مَا} هاهنا حرف وليس باسم، فلذلك لم يعمل فيه الظنّ، وجعل الفعل ملقى.{لاَّ يَسْأَمُ} يمل.{الإنسان} يعني الكافر.{مِن دُعَاءِ الخير} أي من دعائه بالخير ومسألته ربّه، ودليل هذا التأويل، قراءة عبد الله {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان} من دعائه بالخير، أي بالصحّة والمال.{وَإِن مَّسَّهُ الشر فَيَئُوسٌ} من روح الله.{قَنُوطٌ} من رحمته.{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً} عافية ونعمة.{مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} شدة وبلاء أصابته.{لَيَقُولَنَّ هذا لِي} أي بعملي، وأنا محقوق بهذا.{وَمَا أظُنُّ الساعة قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حدثنا عبد الله بن ثابت، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا أحمد بن بشر، عن أبي شرمة، عن الحسن بن محمد بن علي أبي طالب، قال: الكافر في أمنيتين، أما في الدّنيا، فيقول: لئن رجعت إلى ربّي إنّ لي عنده للحسنى، وأما في الآخرة، فيقول ياليتني كنت ترابًا.{فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد.{وَإِذَا أنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} كثير، والعرب تستعمل الطول والعرض كلاهما في الكثرة، يقال: أطال فلان الكلام والدعاء، وأعرض إذا أكثر.{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ} القرآن.{مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق} قال ابن عباس: يعني منازل الأمم الخالية.{وفي أَنفُسِهِمْ} بالبلاء والأمراض، وقال المنهال والسدي: في الآفاق يعني ما يفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم من الآفاق، وفي أنفسهم: مكّة، وقال قتادة: في الآفاق يعني وقائع الله تعالى في الأمم، وفي أنفسهم، يوم بدر. عطاء وابن زيد: في الآفاق يعني أقطار الأرض والسّماء من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار والبحار والأمطار، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وسبيل الغائط والبول، حتّى إنّ الرجل ليأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج ما يأكل ويشرب من مكانين.{حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} يعني إنّ ما نريهم ونفعل من ذلك هو الحقّ، وقيل: إنّه يعني الإسلام، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: القرآن {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ}. اهـ.
.قال الزمخشري: .[سورة فصلت: آية 26]: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25)}.والمقايضة: المعاوضة {قُرَناءَ} أخدانا من الشياطين جمع قرين، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} فإن قلت: كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت: معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين. والدليل عليه {وَمَنْ يَعْشُ نقيض}.{ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها. أو بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات، وما خلفهم: من أمر العاقبة، وأن لا بعث ولا حساب {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} يعنى كلمة العذاب {فِي أُمَمٍ} في جملة أمم. ومثل في هذه ما في قوله:يريد: فأنت في جملة آخرين، وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد. فإن قلت: فِي أُمَمٍ ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال من الضمير في عليهم القول كائنين في جملة أمم {إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ} تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم. .[سورة فصلت: الآيات 26- 28]: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28)}.قرئ: {والغوا فيه} بفتح الغين وضمها. يقال: لغى يلغى، ولغا يلغو. واللغو: الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته. قال: من اللغا ورفث التكلم. والمعنى: لا تسمعوا له إذا قرئ، وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والهذيان والزمل وما أشبه ذلك، حتى تخلطوا على القارئ وتشوّشوا عليه وتغلبوه على قراءته. كانت قريش يوصى بذلك بعضهم بعضا {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يجوز أن يريد بالذين كفروا: هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة، وأن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم. قد ذكرنا إضافة أسوأ بما أغنى عن إعادته. وعن ابن عباس {عَذابًا شَدِيدًا} يوم بدر. و{أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ} في الآخرة ذلِكَ إشارة إلى الأسوإ، ويجب أن يكون التقدير: أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون، حتى تستقيم هذه الإشارة. و{النَّارُ} عطف بيان للجزاء. أو خبر مبتدإ محذوف.فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ}؟ قلت: معناه أن النار في نفسها دار الخلد، كقوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} والمعنى: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسوة حسنة، وتقول: لك في هذه الدار دار السرور. وأنت تعنى الدار بعينها {جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} أي جزاء بما كانوا يلغون فيها، فذكر الجحود الذي هو سبب اللغو..[سورة فصلت: آية 29]: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)}.{الَّذَيْنِ أَضَلَّانا} أي الشيطانين {اللذين أضلانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} لأنّ الشيطان على ضربين: جنى وإنسى. قال اللّه تعالى {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} وقال تعالى {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وقيل: هما إبليس وقابيل، لأنهما سنا الكفر والقتل بغير حق. وقرئ: {أرنا} بسكون الراء لثقل الكسرة، كما قالوا في فخذ: فخذ.وقيل: معناه أعطنا للذين أضلانا. وحكوا عن الخليل: أنك إذا قلت: أرنى ثوبك بالكسر، فالمعنى: بصرنيه. وإذا قلته بالسكون، فهو استعطاء، معناه: أعطنى ثوبك: ونظيره: اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء. وأصله: الإحضار..[سورة فصلت: الآيات 30- 32]: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)}.{ثُمَّ} لتراخى الاستقامة عن الإقرار في المرتبة. وفضلها عليه، لأنّ الاستقامة لها الشأن كله. ونحوه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا} والمعنى: ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته. وعن أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا.وعنه: أنه تلاها ثم قال: ما تقولون فيها؟ قالوا: لم يذنبوا. قال حملتم الأمر على أشدّه. قالوا: فما تقول؟ قال: لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وعن عمر رضى اللّه عنه: استقاموا على الطريقة لم يروغوا روغان الثعالب. وعن عثمان رضى اللّه عنه: أخلصوا العمل. وعن على رضى اللّه عنه: أدّوا الفرائض. وقال سفيان بن عبد اللّه الثقفي رضى اللّه عنه: قلت يا رسول اللّه، أخبرنى بأمر أعتصم به. قال: «قل ربىّ اللّه، ثم استقم» قال فقلت: ما أخوف ما تخاف علىّ؟ فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلسان نفسه فقال «هذا» {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} عند الموت بالبشرى.وقيل البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وإذا قاموا من قبورهم {أَلَّا تَخافُوا} أن بمعنى أى. أو مخففة من الثقيلة. وأصله: بأنه لا تخافوا، والهاء ضمير الشأن. وفي قراءة ابن مسعود رضى اللّه عنه: {لا تخافوا}، أي: يقولون لا تخافوا، والخوف: غم يلحق لتوقع المكروه، والحزن: غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضارّ. والمعنى: أنّ اللّه كتب لكم الأمن من كل غم، فلن تذوقوه أبدا. وقيل لا تخافوا ما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم. كما أنّ الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين.{تَدَّعُونَ} تتمنون: والنزل: رزق النزيل وهو الضيف، وانتصابه على الحال..[سورة فصلت: آية 33]: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)}.{مِمَّنْ دَعا} إِلَى اللَّهِ عن ابن عباس رضى اللّه عنهما: هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا إلى الإسلام وَعَمِلَ صالِحًا فيما بينه وبين ربه، وجعل الإسلام نحلة له. وعنه: أنهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وعن عائشة رضى اللّه عنها: ما كنا نشك أنّ هذه الآية نزلت في المؤذنين، وهي عامة في كل من جمع بين هذه الثلاث: أن يكون موحدا معتقدا لدين الإسلام، عاملا بالخير داعيا إليه، وما هم إلا طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد، الدعاة إلى دين اللّه وقوله: {وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ليس الغرض أنه تكلم بهذا الكلام، ولكن جعل دين الإسلام مذهبه ومعتقده، كما تقول: هذا قول أبى حنيفة، تريد مذهبه..[سورة فصلت: الآيات 34- 35]: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} يعنى أنّ الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها- إذا اعترضتك حسنتان- فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك. ومثال ذلك: رجل أساء إليك إساءة، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه ويقتل ولدك فتفتدى ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقّ مثل الولي الحميم مصافاة لك. ثم قال: وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير. فإن قلت: فهلا قيل: فادفع بالتي هي أحسن؟ قلت: هو على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقيل: ادفع بالتي هي أحسن. وقيل لا مزيدة. والمعنى: ولا تستوي الحسنة والسيئة، فإن قلت: فكان القياس على هذا التفسير أن يقال: ادفع بالتي هي حسنة: قلت: أجل، ولكن وضع التي هي أحسن موضع الحسنة، ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة، لأنّ من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، وفسر الحظ بالثواب. وعن الحسن رحمه اللّه: واللّه ما عظم حظ دون الجنة، وقيل: نزلت في أبى سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصار وليا مصافيا.
|