الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والوَسْوَسَةُ: الكلام الخفيُّ المكرر، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ، والوسوسَةُ أيضًا الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا: وَلْوَلَتِ المَرأةُ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ: رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ، ولا يُقَالُ بفتحها، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ.وقال غيره: يقال: مُوَسْوَس له، ومُوَسْوَس إليه.وقال اللَّيْثُ: الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصبًا ونحوه كالهمْسِ.قال تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16].وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّادًا: [الرجز]
أي: لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ: أيُخْطئ أم يُصِيبُ؟ وقال الأزْهَرِيُّ: وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنىً واحد.قوله: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} في لام {لِيُبْدِي} قولان:أظهرهما: أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك.وقال بعضهم: اللاَّمُ للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ، وذلك أنَّ الشِّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَةَ الخَاصَّاةِ، فالمعنى: أن أمْرَهُمَا آل إلى ذلك.الجوابُ: أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قوله: {وَلاَ نَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].ومعنى قوله: {لِيُبْدِيَ لَهَمَا} ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما.قوله: {مَا وُوْري} {مَا} موصولة بمعنى الذي، وهي مفعول لـ {لِيُبْدِي} أي: لِيُظْهِر الذي سُتِرَ.وقرأ الجمهور: {وُوْري} بواوين صريحَتَيْنِ وهو ماضٍ مبني للمفعول، أصله وَارَى كضارَبَ فلمَّا بُني للمفعول أبْدِلَت الألف واوًا كضُورِبَ، فالواو الأولى فاء، والثَّانية زَائِدَةٌ.وقرا عبد الله: {أُوْرِيَ} بإبدال الأولى همزة، وهو بدلٌ جَائِزٌ لا واجب.وهذه قَاعِدٌةٌ كليَّةٌ وهي: أنَّه إذا اجتمع في أوَّلِ الكلمةِ واوان، وتحرَّكتِ الثَّانيةُ، أو كان لها نَظِيرٌ مُتَحَرِّكٌ وجب إبدال الأولى همزة تخفيفًا، فمثال النَّوْعِ الأوَّلِ أوَيْصِلٌ، وأوَاصِلُ تصغير واصلٍ وتكسيره، فإنَّ الأصل: وُوَيْصِل، وواصل؛ فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدالُ الأولى همزة.ومثالُ النَّوْعِ الثَّانِي أوْلى فإنَّ أصلها وُوْلَى، فالثَّانَيِةُ؛ لكنها قد تتحرَّكُ في الجَمْعِ في قولك: أُوَل؛ كفُضْلَى وفُضَل، فإن لم تتحرَّك ولم تحمل على متحرّك، جَازَ الإبدَالُ كهذه الآيَةِ الكريمةِ.ومثله وُوْطِئَ وأوْطِئَ.وقرأ يحيى بن وثاب {وَرِيَ} بواو واحدة مضمومة وراء مكسورة، وكَأنَّهُ من الثُّلاثيِّ المتعدِّي، وتحتاج إلى نَقْلِ أنَّ وَرَيْتُ كذا بمعنى وارَيْتُه.والمُوَارَاةُ: السَّتْرُ، ومنه قوله- عليه الصلاة والسلام- لمَّا بلغه موت أبي طالب لعليٍّ: «اذْهَبْ فوارِه».ومنه قول الآخر: [مخلع السبيط] وقد تقدَّم تحقيق هذه المادَّةِ والجمهور على قراءة {سَوْءَاتِهما} بالجمع من غير نقل، ولا إدغام.وقرأ مُجاهدٌ والحسن {سَوَّتهما} بالإفراد وإبدال الهمز واوًا وإدغام الواو فيها.وقرأ الحسنُ أيضًا، وأبو جعفر وشَيْبَةُ بن نصاح {سَوَّاتهما} بالجمع وتشديد الواو بالعمل المتقدم.وقرأ أيضًا {سَواتِهما} بالجمع أيضًا، إلا أنَّهُ نقل حركة الهمزة إلى الواو من غير عملٍ آخَرَ، وكلُّ ذلك ظَاهِرٌ.فمن قرأ بالجمع فيحتمل وجهين:أظهرهما: أنَّهُ من باب وَضْعِ الجمع موضع التَّثْنِيَةِ كراهية اجتماع تثنيتين، والجمع أخُوا التَّثْنِيَةِ فلذلك ناب منابها كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُما} [التحريم: 4] وقد تقدَّم تَحْقِيقُ هذه القاعدة.ويحتمل أنْ يكون الجَمْعُ هنا على حقيقته؛ لأنَّ لكل واحد منهما قُبُلًا، ودُبُرًا، والسوءات كنايةٌ عن ذلك فهي أربع؛ فلذلك جِيءَ بالجَمْعِ، ويؤيِّدُ الأوَّل قراءةُ الإفراد فإنَّه لا تكون كذلك إلاَّ والموضع موضع تثنية نحو: «مَسَحَ أَذُنَيْهِ ظَاهِرهُمَا وبَاطِنَهُمَا».قوله: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ}.هذا استثناء مُفَرَّغٌ وهو مفعول من أجله فقدَّرَهُ البَصْرِيُّونَ إلاَّ كراهة أنْ تكونا، وقدَّرَهُ الكوفِيُّون إلاّ أن لا تكونا، وقد تقدَّم مرارًا أنَّ قول البَصْرِيِّين أوْلى؛ لأنَّ إضْمَارَ الاسْمِ أحسنُ من إضمار الحَرْفِ.وقرأ الجمهور {مَلَكَيْنِ} بفتح اللاَّم.وقرأ عَلِيٌّ، وابن عباس والحسنُ، والضَّحَّاكُ، ويحيى بْنُ أبِي كَثِير والزُّهْرِيُّ وابن حكيم عن ابن كثير {مَلِكين} بكسرها قالوا: ويُؤيِّدُ هذه القراءة قوله في موضع آخر: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120] والمُلك يناسِبُ المَلِك بالكسر.وأتى بقوله: {مِنَ الخَالِدِينَ} ولم يقل {أو تَكُونَا خَالِدَيْن} مبالغةٌ في ذلك؛ لأنَّ الوصف بالخُلُودِ أهمُّ من المَلْكية أو المُلْك، فإنَّ قولك: فُلانٌ من الصَّالحينَ بلغُ من قولك صالحٌ، وعليه {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12]. اهـ. باختصار.
ويقال حين تمَّتْ لهما أسباب الوصلة، وَوَطَّأَ نفوسهما على دوام البربة بدا الفراق من مكامنه فأباد من شملهما ما انتظم، كما قيل: . اهـ.
وقيل تقديره على صراطك كقولهم: ضرب زيد الظهر والبطن.{ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} أي من جميع الجهات الأربع. مثل قصده إياهم بالتسويل والإِضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع، ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم. وقيل لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لأن الإِتيان منه يوحش الناس. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من بين أيديهم من قبل الآخرة، ومن خلفهم من قبل الدنيا، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم. ويحتمل أن يقال من أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم. وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما موجه إليهم وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم، ونظيره قولهم جلست عن يمينه. {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} مطيعين، وإنما قاله ظنًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددًا ومبدأ الخير واحدًا، وقيل سمعه من الملائكة.
|