الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدايــنة **
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.. أما بعد. فلمَّا كان الدين الإسلامي ديناً كاملاً شاملاً لِمَا يقوم به العباد تجاه ربّهم من العبادات وما يفعلونه في أنفسهم من العادات، وما يتعاملون به بينهم من المعاملات، وقد جاء مبيِّناً لأحكام ذلك تفصيلاً وإجمالاً، وكان مما شاع بين الناس التعامل بالمداينة وهي بيعُ الغائب بالنَّاجز أو بالعكس، أو بيعُ الغائب بالغائبِ، أحببتُ أن أُبيِّن أحكام بعض ذلك فيما يأتي فأقول:
أن يحتاج إلى شراء سلعة وليس عنده ثمن حاضر ينقده، فيشتريها إلى أجلٍ معلومٍ بثمن زائد على ثمنها الحاضر فهذا جائز. مثل أن يشتري بيتاً ليسكنه أو يؤجِّره بعشرة آلاف إلى سنة، وتكون قيمته لو بيع نقداً تسعة آلاف، أو يشتري سيارة يركبها أو يؤجِّرها بعشرة آلاف إلى سنة، وقيمتها لو بيعت نقداً تسعة آلاف. وهو داخل في قوله تعالى: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار بها. مثل أن يشتري قمحاً بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق أو نحو ذلك، فهذا جائز أيضاً لدخوله في الآية السابقة. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية 6 عن هذين القسمين أنهما جائزان بالكتاب والسنة والإجماع (ذكره ابن قاسم في مجموع الفتاوى ص499 ج29). أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته. مثل أن يقول لشخص: أعطني خمسين ريالاً بخمسة وعشرين صاعاً من البُرِّ أسلِّمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضاً، وهو السَلمُ الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدمَ النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وسلّم: أن يكون محتاجاً لدراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن أقل منه نقداً، فهذه هي مسألة العينة، وهي حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: " ولأن هذه حيلة ظاهرة على الرِّبا، فإنه في الحقيقة بيعُ دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة أكثر منها دخلت بينهما سلعة، وقد نص الإمام أحمد وغيره على تحريمها. أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم مَن قال: إنَّها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إمَّا عين السلعة وإمَّا عوضهَا وكلاهما غرض صحيح. ومن العلماء مَن قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلاً، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفعُ بها حصول المفسدة لا يُغني شيئاً. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد. بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/801). ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلَّة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط: 1 ـ أن يكون محتاجاً إلى الدراهم، فإن لم يكنْ محتاجاً فلا يجوزُ كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره. 2 ـ أن لا يتمكَّن من الحصول على المال بطرقٍ أخرى مباحة كالقرض والسَّلم، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنَّه لا حاجة به إليها. 3 ـ أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الرِّبا مثل أن يقول: بعتك إيَّاها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إمَّا مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصحّ. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إيَّاها بكذا وكذا إلى سنة. 4 ـ أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمَّت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجهٌ كيلا يحصل تضييقٌ على الناس. وليكن معلوماً أنَّه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة السابقة في القسم الرابع. طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالاً بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها، ثم يبيعه على المستدين، ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم عليه شيئاً من المال يسمونه السعي، وهذا حرام بلا ريب، وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في عدَّة مواضع على تحريمه، ولم يحك فيه خلافاً مع أنه حكى الخلاف في مسألة التورُّق. والمواضع التي ذكر فيها شيخ الإسلام تحريم هذه المسألة هي: 1 ـ يقول في ص74 من المجلد28: "و... والثلاثية مثل أن يدخلا بينهما محلِّلاً للربا يشتري السلعة منه آكل الربا، ثم يبيعها المعطي للرِّبا إلى أجلٍ ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلِّل. هذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي، أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدِّينَ على المعسر. ومن هذه المعاملات ما تنازع فيها بعض العلماء لكن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام أنها حرام. 2 ـ وفي ص437 مجلد29 قال: "... وقول القائل لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام... إلى أن قال: وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصدُ بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية". 3 ـ وفي ص439 من المجلد 29 المذكور قال: (أمَّا إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجلٍ، والمعطي بقصد إعطاء ذلك، فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحايلا على ذلك بأي طريق كان،. فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى). وذكر نحو هذا في ص430 وص433 وص441 من المجلد المذكور وذكر نحوه في كتاب: إبطال التحليل في ص109. وبعد، فإنَّ تحريم هذه المداينة التي ذكرنا صورتها في أول هذا القسم لا يمتري فيه شخص تجرَّد عن الهوى وعن الشح وذلك من وجوه: * الأول: أن مقصود كل من الدائن والمدين دراهم بدراهم، ولذلك يقدِّران المبلغ بالدراهم، والكسب بالدراهم، قبل أن يعرفا السلعة التي يكون التحليل بها؛ لأنهما يتفقان أولاً على دراهم: العشرة كذا وكذا ثم يأتيان إلى صاحب الدكَّان فيشتري الدائن أي جنس وجده من المال، فربما يكون عنده سكر أو خام أو أرز أو هيل أو غير ذلك، فيشتري الدائن ما وجد ويأخذه المستدين، وبهذا علم أن القصد الدراهم بالدراهم، وأن السلعة غير مقصودة للطرفين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ويدلُّ على ذلك أنَّ الدائن والمستدين كلاهما لا يقلِّبان السلعة ولا ينظران فيها نظر المشتري الرَّاغب، وربما كانت معيبة أو تالفاً، منها ما كان غائباً عن نظرهما مما يلي الأرض أو الجدار المركونة إليه وهما لا يعلمان ذلك ولا يباليان به. إذن فالبيع بيع صوريٌّ لا حقيقي، والصور لا تغيِّر الحقائق ولا ترتفع بها الأحكام. ولقد حُدِّثت أنه إذا لم يكف المال الموجود عند صاحب الدُّكان للدراهم التي يريدها المستدين. فإنَّهم يعيدون هذا البيع الصُّوري على نفس المال وفي نفس الوقت، فإذا أخذه صاحب الدُّكان من المستدين باعه مرة أخرى على الدائن، ثم باعه الدائن على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل، ثم باعه المستدين على صاحب الدكان، فيرجع الدائن مرة أخرى فيشتريه من صاحب الدكان، ثم يبيعه على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه. وهكذا أبداً حتى تنتهي الدراهم، فربما يكون المال الذي عند صاحب الدكان لا يساوي عُشرَ مبلغِ الدراهم المطلوبة، ولكن بهذه الألعوبة يبلغون مرادهم والله المستعان. * الوجه الثاني: مما يدل على تحريم هذه المداينة أنه إذا كان مقصود الدائن والمدين هي الدراهم، فإن ذلك حيلة على الربا بطريقة لا يرتفع بها مقصود الرِّبا، والتحايل على محارم الله تعالى جامع بين مفسدتين: مفسدة المحرم التي لم ترتفع بتلك الحيلة. ومفسدة الخداع والمكر في أحكام وآيات الله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور. ولقد أخبر الله عن المخادعين له بأنَّهم يخادعون الله وهو خادعهم، وذلك بما زيَّنه في قلوبهم من الاستمرار في خداعهم ومكرهم فهم يمكرون، ويمكر الله والله خير الماكرين. قال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصِّبيان، ولو أتوا بالأمر على وجهه لكان أهون. وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلّم أمَّته من التحايل على محارم الله فقال: " * الوجه الثالث: أنَّ هذه المعاملة يربحُ فيها الدائن على المستدين قبل أن يشتري السلعة، بل يربحُ عليه في سلعة لم يعرفا نوعها وجنسها فيربحَ في شيء لم يدخلْ في ضمانه. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمنْ، وقال: * الوجه الرابع: أنَّ هذه المعاملة تتضمنُ بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها إلى محلِّ المشتري ونقلها عن محلِّ البائع. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن بيع السلع حيث تُشترى حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فعن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من طريقة المداينة أن يكون في ذمَّة شخص لآخر دراهم مؤجلة، فيحل أجلها وليس عنده ما يوفِّيه فيقول له صاحب الدين: أدينُكَ فتوفيني فيدينهُ فيوفيه، وهذا من الربا بل هو مما قال الله فيه: وهذا القسم من المداينة من أعمال الجاهلية حيث كان يقول أحدهم للمدين إذا حلَّ الدين: إما أن توفِّي وإما أن تُربي، إلا أنَّهم في الجاهلية يضيفون الرِّبا إلى الدَّين صراحة من غير عمل حيلة، وهؤلاء يضيفون الرِّبا إلى الدَّين بالحيلة. والواجب على صاحب الدَّين إذا حلَّ دينه إنظار المدين إذا كان معسراً، لقوله تعالى: من المداينة أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حلَّ قال له: إمَّا أن توفِّي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاقٌ مسبقٌ في أنَّ كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفِّيه ثم يعيدُ الدَّين عليه مرة أخرى ليوفِّي الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين، ثم أوفى المقرض ما اقترض منه. وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية وهي حرام لما تقدم من تحريم الحيل وتحذير النبي صلى الله عليه وسلّم أمته من ذلك. خلاصة ما تقدم: وبعد، فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة، وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشرُّ والخسارة ونزع البركة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يزيِّن لصاحبه سوء عمله، فيستمر فيه ولا يرى أنه على باطل، فيكون داخلاً في قول الله تعالى: فالحلال من هذه الأقسام: 1 ـ أن يحتاجَ الشخص إلى سلعة أو عقار فيشتريه بثمن مؤجَّل لقضاء حاجته. 2 ـ أن يشتري السلعة أو العقار بثمن مؤجل للاتجار به وانتظار زيادة السِّعر. 3 ـ أن يحتاجَ إلى دراهم فيأخذها من شخص بسلعة يكتبها الآخذ في ذمته. وهذه الأقسام الثلاثة جائزة بلا ريب وسبقَ تفصيلها. والحرام من الأقسام الأخرى: 1 ـ أن يحتاج إلى دراهم فلا يجدُ مَن يقرضه فيشتري سلعة من شخص بثمنٍ مؤجَّل زائد على قيمتها الحاضرة، ثم يبيعها على غيره، وهذه هي مسألة التَّورُّق، في جوازها خِلاف بين العلماء كما تقدم. 2 ـ أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجَّل، ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة. 3 ـ أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، ثم يذهب إلى ثالث فيشتري الدائن منه سلعة، هو في الحقيقة شراء صوري، ثم يبيعها على المدين ثم يبيعها المدين بدوره على الذي أخذها الدائن منه. وهذه طريقة المداينة التي يستعملها الآن كثير من الناس، وهي حرام كما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يذكر خلافاً في تحريمها كما ذكر في مسألة التَّورُّق. 4 ـ أن يكون لشخص على آخر دينٌ مؤجَّلٌ فيحل أجله وليس عنده ما يوفيه، فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني، فيدينه فيوفيه. وهذه طريقة أهل الجاهلية التي تتضمن أكل الرِّبا أضعافاً مضاعفة، إلا أنها صريحة في الجاهلية خديعة في هذا الزمان، ففيها مفسدتان. 5 ـ أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل فيحل أجله، ويكون لصاحب الدين صاحب يتَّفق معه على أن يقرض المدين أو يدينه ليوفِّي الدائن، ثم يقلب عليه الدين مرة أخرى. وهذه هي طريقة الجاهلية مع إدخال الطرف الثالث المشارك في الإثم والعدوان والمكر والخداع. فهذه الأقسام الخمسة محرَّمة، وقد علمت ما في القسم الأول منها من الخلاف. واعلم أنَّ الدَّين في اصطلاح أهل الشرع اسم لما ثبت في الذمة سواء كان ثمنَ مبيعٍ أو قرضاً أو أجرةً أو صداقاً أو عوضاً لخلع أو قيمة لمتلف أو غير ذلك. وليس كما يظنه كثير من العوام من أنَّ المداينة هي التي يستعملونها ويستدلون عليها بقوله تعالى: * * * ولنختم هذا البحث بما ورد في الكتاب والسنة من تحريم الرِّبا والتشديد فيه. قال تعالى: وفي قوله تعالى: ففي هذه الآية وصف آكلي الربا بأنهم يقومون من قبورهم يوم القيامة أمام العالم كلهم كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المسِّ ـ يعني كالمصروعين الذين تصرعُهُم الشياطين وتخنُقهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (آكل الربا يُبعثُ يوم القيامة مجنوناً يُخْنَق). ثم بيَّن الله ما وقعَ لهم من الشبهة التي أعمت أبصارهم عن التمييز بين الحق والباطل، فقال تعالى: وقال تعالى: وهذا كله دليل على تعظيم شأن الرِّبا وأنَّه سبب لعذاب الله تعالى ودخول النار والعياذ بالله تعالى من ذلك. وقال تعالى: فالربا لا يربو عند الله ولا يزداد صاحبه به قربة عند ربه، فإنَّه مال مكتسب بطريق حرام فلا خير فيه ولا بركة، ولو أنَّ صاحبه تصدَّق به لم يقبل منه إلا إذا كان تائباً إلى الله تعالى من ذلك الذنب الكبير فيتصدق به للخروج من تبعته عند عدم معرفته لأصحابه وبذلك يكون بريئاً منه. أمَّا إن تصدَّق به لنفسه فإنَّه لا يقبلُ منه لأنه لا يربو عند الله، بينما الصدقات المقبولة تربو عند الله، وإن أنفقه لم يبارك الله له فيه لأن الله يمحقه أو يسحق بركته، فلا خير ولا بركة في الربا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من الرِّبا وبيان تحريمه، وأنَّه من كبائر الذنوب وعظائمها. فليحذر المؤمن الناصح لنفسه من هذا الأمر العظيم، وليتب إلى الله تعالى قبل فوات الأوان وانتقاله عن المال، وانتقال المال إلى غيره فيكون عليه إثمه وغرمه ولغيره كسبه وغنمه. وليحذر من التحيُّل عليه بأنواع الحيل، لأنه إذا تحيَّل فإنما يتحيَّل على مَن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولن تفيده هذه الحيل، لأن الصور لا تغير الحقائق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "إبطال التحليل" ص108: "... فيا سبحان الله العظيم، أيعود الرِّبا الذي قد عظَّم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحلِّه، ولعن أهل الكتاب بأخذه، ولعن آكلهُ وموكلهُ وشاهدهُ وكاتبهُ، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجأ في غيره إلى أن يستحلَ جمعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحكُ منها ويُستهزأ بها.. أم يستحسنُ مؤمن أن ينسب نبيًّا من الأنبياء فضلاً عن سيد المرسلين، بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرِّم هذه المحارم العظيمة ثم يُبيحُهَا بنوع من العبثِ والهزل الذي لم يقصدْ ولم يكنْ له حقيقة وليس فيه مقصود للمتعاقدين قط". وقال في ص137: "... وكلما كان المرءُ أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره من الحيل أشد، قال: وأظنُّ كثيراً من الحيل إنَّما استحلَّها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بُد من التزام ظاهر الحكم، فأقام رسم الدين دون حقيقة، ولو هُدي إلى رشده لسلَّم لله ورسوله وأطاعَ الله ظاهراً وباطناً في كل أمره. أسأل الله تعالى أن يوقظ بمنِّه وكرمه عباده المؤمنين من هذه الغفلة العظيمة، وأن يقيهم شُحَّ أنفسهم ويهديهم صراطه المستقيم إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|