نعم إن هنالك من ينكر. وهنالك من يجادل في آيات الله. وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق.. ولكن أحداً من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء، أو غرض، أو كبر، أو مغالطة، لغاية أخرى غير الحقيقة.هنالك من يجادل لأنه طاغية كفرعون وأمثاله، يخشى على ملكه، ويخشى على عرشه، لأن هذا العرش يقوم على أساطير يذهب بها الحق، الذي يثبت بثبوت حقيقة الألوهية الواحدة!وهنالك من يجادل لأنه صاحب مذهب في الحكم كالشيوعية يتحطم إذا ثبتت حقيقة العقيدة السماوية في نفوس البشر. لأنه يريد أن يلصق الناس بالأرض؛ وأن يعلق قلوبهم بمعداتهم وشهوات أجسادهم؛ وأن يفرغها من عبادة الله لتعبد المذهب أو تعبد الزعيم!وهنالك من يجادل لأنه ابتلي بسيطرة رجال الدين كما وقع في تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى ومن ثم فهو يريد الخلاص من هذه السيطرة. فيشتط فيرد على الكنيسة إلهها، الذي تستعبد باسمه الناس!وهنالك أسباب وأسباب.. غير أن منطق الفطرة ينفر من هذا الجدال، ويقر بالحقيقة الثابتة في ضمير الوجود؛ والتي تنطق بها آيات الله بعد كل جدال!وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع القوي الأخير:{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}.ومصارع الغابرين كثيرة في تاريخ البشرية؛ وبعضها ما تزال له آثار تحكي قصته؛ وبعضها حفظته الروايات على الألسنة، أو حفظته الأوراق والكتب. والقرآن كثيراً ما يوجه القلوب إليها، لما فيها من دلالة على حقائق ثابتة في خط سير البشرية؛ ولما لها كذلك من أثر في النفس الإنسانية عميق عنيف. والقرآن يخاطب الفطرة بما يعلمه منزل هذا القرآن من حقيقة الفطرة، ومساربها ومداخلها، وأبوابها التي تطرق فتفتح، بعضها بعد نقرة خفيفة وبعضها بعد طرقات كثيرة إن كان قد ران عليها الركام!وهنا يسألهم وينشطهم للسير في الأرض، بعين مفتوحة، وحسن متوفز، وقلب بصير لينظروا ويتدبروا ما كان في الأرض قبلهم؛ وما يتعرضون هم لجريانه عليهم:{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}.