فصل: بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ:

(قَالَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ شَاةٌ تَيْعَرُ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَبَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ.
(وَحُجَّتُنَا) حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ وَفِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ»، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ النُّصُبِ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ (قَالَ) وَلَا تُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ مِنْ الْغَنَمِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَالْجَذَعَةُ هِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا حَوْلٌ وَاحِدٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ الَّذِي تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ فَأَمَّا مِنْ الضَّأْنِ فَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ إلَّا مَا يُجْزِي فِي الضَّحَايَا.
وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيِّ»، وَلِأَنَّ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ تُجْزِي فِي الضَّحَايَا وَهِيَ أَدْعَى لِلشُّرُوطِ مِنْ الْأَخْذِ فِي الزَّكَاةِ فَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهَا فِي الزَّكَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا، ثُمَّ مَا دُونَ الثَّنِيِّ قَاصِرٌ فِي نَفْسِهِ»، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْمَعْزِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الْبَالِغُ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ مَا دُونَ الثَّنِيِّ، وَكَذَلِكَ فِي الضَّأْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا وَلَكِنْ تُرِكَ لِنَصٍّ خَاصٍّ وَرُدَّ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ سَمِينًا لَوْ اخْتَلَطَ بِالثَّنِيَّاتِ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَمِثْلُ هَذَا يُقَارِبُ الثَّنِيَّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَهُنَا مَا دُونَ الثَّنِيِّ لَا يُقَارِبُ الثَّنِيَّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ بِهِ (قَالَ) وَيَجُوزُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ أَخْذُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إلَّا إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ بِهِ وَيَجُوزُ فِي زَكَاةِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَاسْمُ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ فِيهِ (قَالَ) فَإِنْ اخْتَلَطَ الْمَعْزُ بِالضَّأْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ نِصَابَ الْبَعْضِ يُكْمَلُ بِالْبَعْضِ، ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْوَسَطُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ الْأَدْوَنُ مِنْ الْأَرْفَعِ وَالْأَرْفَعُ مِنْ الْأَدْوَنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ مَعَ الْجَوَامِيسِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ فِي أَحَدِهِمَا يَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِ الْأَغْلَبِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تَقُومُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأَرْفَعِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْأَدْوَنِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَتَيْنِ فَيُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ قَالَ: وَهُوَ الْعَدْلُ وَبِهِ يَتِمُّ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» وَالْأَخْذُ مِنْ الْحَوَاشِي فِيمَا قُلْنَا (قَالَ) وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْ الظَّبْيِ وَالْغَنَمِ يَكُونُ نِصَابًا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ نَعْجَةً، وَكَذَلِكَ الْمُتَوَلَّدُ مِنْ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَالْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ عِنْدَنَا الْعِبْرَةُ لِلْأُمِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ تَجَاذَبَهُ جَانِبَانِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ وَالْآخَرُ لَا يُوجِبُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ بِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ جِنْسِ الْأُمِّ يُشْبِهُهَا عَادَةً وَيَتْبَعُهَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَكُونَ لِمَالِكِ الْأُمِّ وَحَتَّى يَتْبَعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَاءَ الْفَحْلِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَالْوَلَدُ يَكُونُ مِنْهَا (قَالَ) رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى غَنَمٍ سَائِمَةٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهَا وَحَال الْحَوْلُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا زَكَاةُ النِّصْفِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا فِي الْحَوْلِ إنَّمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَانَتْ مَالِكَةً لِلْكُلِّ فَكَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فَوَجَبَ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ مِنْ يَدِهَا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْحَوْلِ فَعَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِيمَا بَقِيَ كَمَا لَوْ نَقَصَ النِّصَابُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخَرِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِي نَصِيبِهَا إذَا قَبَضَتْ وَكَانَ نِصَابًا تَامًّا، فَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- عَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِي نَصِيبِهَا سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكُلُّ نِصَابًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَأَوْضَحَهُ فِي الْكِتَابِ بِمَا لَوْ كَانَ الصَّدَاقُ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ عِنْدَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَعَلَيْهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الزَّوْجِ حِينَ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُ قَبْلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا بَعْدَهُ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُمَا فَرَّقَا، وَقَالَا: صَدَقَةُ الْفِطْرِ تَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ التَّامَّةَ لَا مُجَرَّدَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْيَدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا وَظِيفَةُ الْمِلْكِ وَمِلْكُهَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَامٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَتْ (قَالَ) رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَلَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةً فَحَالَ الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى الدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلتَّقَلُّبِ وَالتَّصَرُّفُ مُعَدٌّ لَهُ، فَأَمَّا السَّائِمَةُ فَمُعَدَّةٌ لِاسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَهَذَا إذَا حَضَرَهُ الْمُصَدِّقُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى السَّائِمَةِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ هُمَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْمُصَدِّقِ، فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ السَّائِمَةِ دُونَ الدَّرَاهِمِ فَلِهَذَا صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ.
(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً فَحَلَّ عَلَيْهَا حَوْلَانِ فَعَلَيْهِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ شَاةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْحَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ نِصَابَهُ قَدْ انْتَقَصَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَوْلَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ فَكَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ (قَالَ) فِي الْكِتَابِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَفِيهَا شَاةٌ، وَلَيْسَ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَلَيْسَ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَجْمَعَهَا وَيَأْخُذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْمَكَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا وَبَيَّنَّا تَفْسِيرَ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَنَزِيدُهُ وُضُوحًا فَنَقُولُ الْمُرَادُ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إحْدَى وَسِتُّونَ مِنْ الْإِبِلِ لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَلِلْآخِرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِزَكَاةِ صَاحِبِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى، فَإِنَّ التَّرَاجُعَ عَلَى وَزْنِ التَّفَاعُلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا (قَالَ) وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ وَالْعَنَّانُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَغِنَى الْمَالِكِ بِهِ وَلَا مِلْكَ لِلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مُفَاوِضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَالَ) وَإِذَا مَرَّ الْمُسْلِمُ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لِلتِّجَارَةِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِذَا أَنْكَرَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالْعَاشِرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا الزَّكَاةَ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ بِصِفَةِ الْإِسَامَةِ أَوْ التِّجَارَةِ وَمَا يَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ لَا يَكُونُ سَائِمَةً، وَقَدْ انْتَفَى صِفَةُ التِّجَارَةِ فِي حَقِّهِ بِحَلِفِهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَمُرُورُهُمَا عَلَى الْعَاشِرِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ كَمَا يَكُونُ بِمَالِ التِّجَارَةِ كَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يُصَدِّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ وَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ فِي هَذَا مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَّا عَلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ لَا نُصَدِّقُهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِنَا لَا يَدْخُلُ إلَّا عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَمَا مَعَهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلِهَذَا أُخِذَ مِنْهُ (قَالَ): رَجُلٌ مَاتَ بَعْدَ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي سَائِمَتِهِ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ صَدَقَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ.
وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ «الْخَثْعَمِيَّةِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِيهِ قَالَتْ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَقَدْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنَ اللَّهِ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، ثُمَّ دَيْنُ الْعِبَادِ يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا حَقٌّ كَانَ مُطَالَبًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَتَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَدُيُونِ الْعِبَادِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ خَلَفٌ عَنْ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تُقْتَضَى بِالْمَالِ وَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُورِثِ فِي أَدَاءِ مَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي أَدَائِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِيصَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْأَدَاءِ، فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ.
(وَحُجَّتُنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكَلْت فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَبْقَيْتَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مَالُ الْوَارِثِ»، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ يُمْضِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ يَكُونُ مَالَ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَبِهِ عَلَّلَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ صَارَ مِلْكَ الْوَارِثِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ لِيُؤْخَذَ مِلْكُهُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ حُقُوقِ الْعِبَادِ إذَا اجْتَمَعَا فِي مَحَلٍّ تُقَدَّمُ حُقُوقُ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْإِيتَاءِ وَفِعْلُ الْإِيتَاءِ لَا يُمْكِنُ إقَامَتُهُ بِالْمَالِ لِيَقُومَ الْمَالُ فِيهِ مَقَامَ الذِّمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْوَارِثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَائِبًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا هُوَ عِبَادَةٌ.
وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَفِعْلٍ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِلَافَةُ الْوَارِثِ الْمُورِثَ تَكُونُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُورِثِ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ وَاسْتِيفَاءُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ تُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيَظْهَرُ بِمَا ذَكَرْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ دُيُونِ الْعِبَادِ إذَا تَأَمَّلْتَ.
فَإِنْ كَانَ مَوْتُ صَاحِبِ السَّائِمَةِ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعْ بِهِ حُكْمُ الْحَوْلِ عِنْدَنَا لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُبْنَى عَلَى حَوْلِهِ، فَإِذَا تَمَّ فَعَلَى الْوَارِثِ الزَّكَاةُ قَالَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْمُورِثِ، وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ مِلْكٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ لِلْوَارِثِ مُتَجَدِّدَةٌ، وَفِي حُكْمِ الزَّكَاةِ الْمَالِكُ مُعْتَبَرٌ فَلِتَجَدُّدِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ قُلْنَا يُسْتَقْبَلُ الْحَوْلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.زَكَاةُ الْبَقَرِ:

(الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ) حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ بَقَرَةٌ لَهَا ثُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّه شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى عَاتِقِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أَلَا قَدْ بَلَّغْتُ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً سَائِمَةً صَدَقَةٌ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي أَرْبَعِينَ مِنْهَا مُسِنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ وَبِهَذَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ»، وَلَمْ يُفَسِّرْ هَذَا الْكَلَامَ وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَقَرَةً فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٌ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ عِنْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ إلَى سَبْعِينَ ثُمَّ بَعْدَ سِتِّينَ الْأَوْقَاصُ تِسْعٌ تِسْعٌ وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ حَتَّى إذَا كَانَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي الْمِائَةِ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ شَاءَ أَدَّى ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَتَبَعَةً فَإِنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُ مَرَّاتٍ ثَلَاثُونَ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- حَدِيثُ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَأْخُذُوا مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوا الْأَوْقَاصَ بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، وَلِأَنَّ مَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْإِشْقَاصُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ حَتَّى إنَّ فِي الْإِبِلِ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَدَدِ أَوْجَبَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ تَحَرُّزًا عَنْ إيجَابِ الشِّقْصِ فَكَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ لَا تَجُوزُ الْإِشْقَاصُ؛ لِأَنَّهَا عَيْبٌ.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بِمَا بَعْدَهُ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ نَصْبَ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَإِنَّمَا يَكُونُ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ النَّصُّ، وَلَا نَصَّ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ النِّصَابِ فِيهِ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ بِحِسَابِ مَا سَبَقَ،
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ بِهِ حَالَ قِلَّةِ الْعَدَدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْوَقَصَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ يَكُونُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَوْقَاصِ الصِّغَارُ وَهِيَ الْعَجَاجِيلُ وَبِهِ نَقُولُ إنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا (قَالَ) وَالْجَوَامِيسُ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ مِنْ زَكَاةِ الْغَنَمِ (قَالَ) وَذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا فِي الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ فِي الْأَخْذِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا إلَّا الْإِنَاثُ وَهَذَا لِتَقَارُبِ مَا بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَتَبَايُنِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْإِبِلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ.
فَأَمَّا الْخَيْلُ السَّائِمَةُ إذَا اخْتَلَطَ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَدَّى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- لَا شَيْءَ فِيهَا.
فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا كُلَّهَا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا كُلَّهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهَا فِي كِتَاب الْآثَارِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «عَفَوْتُ لِأُمَّتِي عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِمَامِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَجِبُ مِنْ عَيْنِهَا شَيْءٌ، وَمَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِي الْمُرَابِطَةِ شَيْءٌ»، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ زَيْدٌ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ فَرَسَ الْغَازِي، فَأَمَّا مَا حُبِسَتْ لِطَلَبِ نَسْلِهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ، فَقَالَ: كَمْ، فَقَالَ: فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَار أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ سَائِمٌ فِي أَغْلِبْ الْبُلْدَانِ فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، إلَّا أَنَّ الْآثَارَ فِيهَا لَمْ تَشْتَهِرْ لِعِزَّةِ الْخَيْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا كَانَتْ إلَّا مُعَدَّةً لِلْجِهَادِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعُ كُلِّ طَامِعٍ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا بِهِ لَا يَتْرُكُونَهُ لِصَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا الْإِنَاثُ، قَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّمَاءِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ النَّسْلُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْإِنَاثِ الْمُفْرَدَاتِ وَفِي الْأُخْرَى قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعَارَ لَهَا فَحْلٌ فَيَحْصُلَ النَّمَاءُ مِنْ حَيْثُ النَّسْلُ.
وَأَمَّا فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدِينَ لَا شَيْءَ فِيهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْلِ لَا يَحْصُلُ بِهَا وَبِزِيَادَةِ السِّنِّ لَا تَزْدَادُ الْقِيمَةُ فِي الْخَيْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَعْنَى السِّمَنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ لِانْعِدَامِ النَّمَاءِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْآثَارِ جَعَلَ هَذَا قِيَاسَ سَائِرَ أَنْوَاعِ السَّائِمَةِ فَإِنَّ بِسَبَبِ السَّوْمِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عَلَى صَاحِبِهَا وَبِهِ يَصِيرُ مَالُ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الْخَيْلِ (قَالَ) وَلَيْسَ فِي الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}» وَلِأَنَّهَا لَا تُسَامُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ مَعَ كَثْرَةِ وُجُودِهَا، وَالنَّادِرُ لَا يُعْتَبَرُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ الْعَامُّ الْغَالِبُ فَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.